ربما يبدو التساؤل صادما.. فالمنطق يدفعنا للتسليم بأن البرلمان المصرى هو الأجدر بالثقة! هو الأكثر تعبيرا عن همومنا والأكثر صدقا وحرصا فى طرح مشاكلنا.. هو صوتنا المدافع عن حقوقنا والمتبنى لأحلامنا والمشرع لكل ما يهدف لإصلاح أحوالنا وتحسين معيشتنا.. هو نبض الشعب المعبر عن آماله وطموحه والمتصدى لكل ماينتهك حريته وآدميته وكرامته!
أو هكذا يجب أن يكون !!
ولأننا نعرف جيدا ما الدور الذى يجب أن يقوم به مجلسنا الموقر ومايفعله على أرض الواقع لم نندهش كثيرا من رد فعل نواب البرلمان المتحمس للرد على بيان البرلمان الأوروبى عن حقوق الإنسان فى مصر.
سطور البيان الأوروبى وماتضمنه من أرقام ووقائع وتساؤلات وإستنكارات جاءت صادمة.. حيث رصد مقتل مايقرب من ثلاثة آلاف شخص دون محاكمات! وندد بالاعتقالات التى أعقبت الدعوة للتظاهر الأخيرة والتى وصلت لأربعة آلاف متظاهر معارض! واستنكر الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، ودعا السلطات المصرية لوضع حد لجميع اعمال العنف والتحريض ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والصحفيين. كما دعا للإفراج عن المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن كل هذه الإنتهاكات.
وفوق ذلك طالب بتسليط الضوء على حقيقة مقتل الباحث الإيطالى ريجينى بعد تعرضه للتعذيب عام 2016 .
رغم كارثية الاتهامات وخطورة الوقائع وحجمها إلا أن نواب برلماننا الموقر لم يجهدوا أنفسهم كثيرا فى البحث عن رد منطقى ولا أقول حقيقيا عليها! وآثروا الرد بطريقتهم المعروفة فى التعامل مع مثل هذه القضايا وغيرها ايضا.
جاء الرد على نفس طريقتهم فى الرد على أى معارض مصرى مستخدمين نفس العبارات ونفس الإتهامات.. فوصفوا الاتهام بأنه مغرض ومشبوه ومتحيز ومغلوط ومضلل وخارج من غير ذى صفة. متضمنا ارقاما غير حقيقية ومحملا بالأكاذيب والإدعاءات المغرضة ومعتمدا على أحاديث مرسلة لاتعتمد على دليل حقيقى. ومتبنيا لمزاعم الجماعات المتربصة بمصر والتى تسعى لزعزعة إستقرارها وتهديد الأمن والسلم الإجتماعى لها!
كلمات مطاطية.. وردود ضعيفة تكاد تثبت الإتهامات أكثر مما تنفيها وتدحضها.. جاء الرد مفتقدا لقوة الحجة وتفنيد الوقائع ودحض الأرقام.
اكتفى نواب البرلمان بكيل الإتهامات وترديد نفس الكلمات بأن كل شيء تمام وأن منظمات المجتمع المدنى المشبوهة والجماعات المتربصة هى من تقف وراء كل الإدعاءات التى يزعمها البرلمان الأوروبى عن إنتهاكات حقوق الإنسان بمصر.
الغريب أن أياما قليلة فقط تلك التى فصلت بين بيان البرلمان الأوروبى وبيان آخر أصدره المجلس القومى لحقوق الإنسان بمصر والتابع لمجلس الوزراءوالذى رصد بدوره ماتعرض له مواطنون من إجراءات تعسفية خلال الأحداث الأخيرة التى شهدتها مصر بعد الدعوة للتظاهر. وأدان المجلس التوسع غير المبرر فى توقيف المواطنين العابرين بين الطرقات والميادين دون مسوغ قانونى وإجبارهم على إطلاع رجال الشرطة على هواتفهم المحمولة وفحصها وهو مايعد مخالفا للدستور.
ولم يسلم ذلك البيان أيضا من سيل الإتهامات التى وجهها له البعض بأنه إعتمد على مصادر غير موثوقة تسعى لإحداث نوع من البلبلة والتوتر فى الشارع!
الكل متربص ويسعى للبلبلة وزعزعة الإستقرار والأمن ويهدد السلام الإجتماعى وممول ومشبوه ويعمل لصالح جماعة محظورة!
وماذا عن الحقيقة والواقع الثابت وغير المضطرب من وجهة نظر نوابنا الموقرين!
ماذا عن آلاف المعتقلين وعن الظروف غير الآدمية التى يعيشون فيها؟ ماذا عن إهدار كرامتهم ومنع الأدوية والعلاج عنهم! ماذا عن تكديرهم وحبسهم إنفراديا؟! ماذا عن منعهم من أبسط الحقوق الآدمية؟
ماذا عن جملة الاعتقالات المتربصة بكل صوت معارض، حتى لو لم يخرج عن مجرد صرخات فى صفحته الخاصة بمواقع التواصل الإجتماعى؟!
ماذا عن الصمت المفروض على الكل بعدما أصبحت ضريبة الكلمة أكبر وأخطر من أن يتحملها أصحابها؟! ماذا عن الحبس الإحتياطى لمدد لايعلمها إلا الله؟ ماذا عن الأرواح التى أزهقت غدرا لإغلاق صفحة مقتل ريجينى ثم إكتشفنا براءتها من دمه؟!
تساؤلات صعبة لن يصعب على برلماننا الموقر وولاة أمورنا الإجابة عليها بتلك الإجابات المكررة النمطية المحفوظة.. لكننا سئمنا من تلك الردود المملة ولم يعد بمقدورنا تحملها. فإبحثوا عن غيرها بقليل من التعب يحفظ ماء وجوهكم.. "لقد هرمنا".
--------------------------
بقلم: هالة فؤاد